الجمعة, 18 يوليو 2025 04:44 PM

السويداء على صفيح ساخن: نزوح جماعي واقتتال داخلي يهدد بحرب أوسع

السويداء على صفيح ساخن: نزوح جماعي واقتتال داخلي يهدد بحرب أوسع

شهدت محافظة السويداء أمس حركة نزوح جماعية من الأحياء التي يقطنها البدو في أطراف المحافظة ذات الغالبية الدرزية. وذكرت مصادر عشائرية من محافظة درعا لـ«الأخبار» أن عدد العائلات البدوية النازحة من السويداء يتراوح بين 300 و500 عائلة، فرت من عمليات انتقامية بدأت فجرًا ونفذتها مجموعات قادمة من السويداء، ما أسفر عن سقوط ضحايا.

تداول ناشطون مقاطع فيديو تظهر قوافل من المدنيين البدو يغادرون مناطق سكنهم باتجاه درعا، وأكدت مصادر عشائرية من درعا أن الأهالي يعملون على تجهيز مراكز إيواء للنازحين البدو، وسط توتر شديد واستعدادات هجومية جديدة من جانب العشائر ضد السويداء، في ظل غياب أي تدخل من القوات الحكومية.

ومع استمرار التوتر، أعلنت مجموعات تسمي نفسها «عشائر البدو» مساء أمس أنها استعادت السيطرة على قرى الدور وتعارة وسميع والطيرة وصمة، بعد انسحاب الفصائل الدرزية منها. وأشارت مصادر عسكرية من السويداء إلى أن الانسحاب جاء نتيجة قرار محلي بتجنب مزيد من الاقتتال ومنع إشعال فتنة طائفية جديدة، بينما قال مصدر مقرب من فصيل «حركة رجال الكرامة» الدرزية إن عددًا من الفصائل المحلية شاركت في عملية تمشيط بحثًا عن مجموعات تابعة للقوات الحكومية رفضت الالتزام باتفاق الانسحاب.

وبحسب المصدر، تم توقيف مجموعتين تضمّان نحو عشرين عنصرًا، بينهم ثلاثة من جنسيات غير سورية، ادعوا عدم إجادتهم اللغة العربية. ولا ينفي المصدر وقوع تجاوزات، ويشير إلى أن مجموعات غير منظمة من أبناء السويداء أقدمت على إحراق منازل أو طرد عائلات بدوية، مؤكدًا في الوقت ذاته أن جهودًا تبذل حاليًا من قبل المرجعيات الدينية والاجتماعية في السويداء، بالتعاون مع مشايخ من قبائل البدو، لتخفيف حدة الاحتقان.

ودعت «الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز» في بيان إلى احترام أبناء عشائر البدو المسالمين، مشددة على عدم التعرض لهم وعلى التعامل مع الأسرى باحترام ووفق الأصول المعروفة. وفي كلمة مصورة، حمّل الزعيم الروحي للطائفة، الشيخ حكمت الهجري، المسؤولية لكل من يهدد الأمن والاستقرار، مؤكدًا أن مرتكبي الانتهاكات لا يمثلون الطائفة، بل يعبرون عن أنفسهم فقط. كما اعتبر الهجري أن الدروز دفعوا ثمنًا باهظًا بسبب ما وصفها بـ«السياسات الحكومية التكفيرية» التي مارست القصف والاعتداء، داعيًا إلى نبذ العنف والانزلاق نحو حرب أهلية.

وكان لافتًا في بيان الرئاسة الروحية الدرزية دعوتها ملك الأردن إلى فتح معبر حدودي مع السويداء، لما لذلك من أهمية إنسانية عاجلة، في وقت طالبت فيه بفتح طرق نحو «الإخوة الأكراد»، في إشارة إلى مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» شرق نهر الفرات، ما يقتضي العبور عبر البادية وصولًا إلى قاعدة التنف الأميركية، ثم عبر البوكمال وشرق دير الزور في اتجاه مناطق السيطرة الكردية. غير أن مصادر ميدانية اعتبرت أن تنفيذ هذا المقترح شبه مستحيل من دون دعم إقليمي ودولي مباشر، نظرًا إلى أن مناطق البادية خاضعة لسيطرة «جيش سوريا الحرة»، الذي يُعدّ من مكوّنات وزارة الدفاع السورية، رغم ارتباطه الوثيق بالقوات الأميركية في التنف.

وجددت طائرات العدو غاراتها على قرية ولغا في ريف السويداء، تزامناً مع تقدّم لعشائر البدو في اتجاه تخوم المحافظة، وسط اشتباكات بين مجموعات من البدو وأخرى من دروز السويداء. وجاء هذا التطور في وقت أفيد فيه عن مغادرة قائد فصيل «قوات شيخ الكرامة»، ليث بلعوس، السويداء مع عدد من عناصره إلى جهة مجهولة، قبيل تنفيذ عملية مداهمة لمنزله ومقارّه العسكرية من قبل الفصائل المحلّية، على خلفية اتهامه بتسهيل عمل القوات التابعة لدمشق داخل السويداء.

وفي العاصمة دمشق، شهدت الأسواق حملة تحت عنوان «وقف التعاملات المالية والتجارية مع تجار السويداء»، في محاولة لفرض ما وُصف بـ«الحصار الشعبي» على المحافظة، على خلفية اتهامات لـ«الفصائل الدرزية» بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.

وظهر الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، فجر أمس، في كلمة مصورة تناول فيها التطورات الأخيرة، معلنًا «تكليف بعض الفصائل المحلّية ومشايخ العقل بحفظ الأمن في السويداء»، في أعقاب انسحاب القوات الحكومية من المحافظة. وأوضح الشرع أن هذا القرار جاء «تفاديًا لحرب مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي على حساب أمن الدروز واستقرار سوريا والمنطقة بأسرها»، معتبرًا أن «إفساح المجال لوجهاء ومشايخ الطائفة يمثّل الخيار الأمثل لتغليب المصلحة الوطنية».

وحدد رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، أمس، معالم «سياسة إسرائيلية جديدة» تقوم على نزع السلاح من جنوب دمشق وحتى جبل الدروز، وحماية «إخوتهم» الدروز هناك؛ وهو ما يعني توسيع «المنطقة العازلة»، لتشمل كامل الجنوب.

وقال نتنياهو إن النظام السوري خرق هذه السياسة، مشيرًا إلى أن الهجوم الإسرائيلي أجبر القوات السورية على الانسحاب. وأشار وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بدوره، إلى أنه لا يثق بأحمد الشرع، ولا بقادة الفصائل المسلّحة، متّهماً إيّاهم «بتهديد الأقليّات والجوار الإسرائيلي».

في المقابل، أعلنت الرئاسة السورية أن الشرع تلقّى اتصالات من قادة السعودية وقطر وتركيا، أكّدوا عبرها دعمهم لوحدة سوريا ورفضهم الاعتداءات الإسرائيلية. وأكّد بيان آخر صادر عن الرئاسة السورية، أنه استجابة لـ«وساطة أميركية»، تقرّر «سحب القوات العسكرية لثكناتها».

لكنّ «المجموعات الخارجة عن القانون ارتكبت جرائم مروعة تتنافى مع التزامات الوساطة». واعتبرت الرئاسة أنّ «تدخّلات إسرائيل السافرة في الشأن الداخلي السوري تؤدّي إلى مزيد من الفوضى وتعقّد المشهد الإقليمي». فيما شدّد مندوب سوريا في «مجلس الأمن»، أثناء جلسة حول سوريا مساء أمس، على «رفض جرّ البلاد إلى حرب تقسيم»، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرّك ضدّ الاعتداءات الإسرائيلية والتدخّلات الخارجية.

أفاد مصدر طبي في محافظة السويداء «الأخبار» بأن عدد الجثامين التي تم تسليمها لذويها بلغ 220 جثمانًا حتى الساعة السادسة من مساء أمس، مشيرًا إلى أن العدد مرشح للارتفاع مع استمرار تسليم جثامين إضافية تباعًا. وأوضح المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن بعض الجثامين تعرضت للتحلل نتيجة وجودها في غرف غير مخصصة لحفظ الموتى داخل المستشفيات، إضافة إلى بقاء عدد منها في العراء طيلة أيام الاشتباكات الأربعة.

وبحسب المصدر، فإن الحصيلة النهائية لعدد الضحايا قد تُستكمل اليوم، في ظل وجود جثامين انتشلت مباشرة من الشوارع من قبل الأهالي، خصوصًا في مناطق السويداء والريف الغربي. وتعد بلدة «الثعلة» من أكثر المناطق التي شهدت انتهاكات وعمليات إعدام ميدانية بحق المدنيين، في حين تشير التقديرات الأولية إلى أن عدد القتلى الإجمالي أثناء أحداث الأيام الماضية قد يتجاوز 500 قتيل من مختلف الأطراف.

وفي موازاة ذلك، أعلن «المجلس النرويجي للاجئين» نزوح أكثر من 1200 عائلة بسبب المعارك التي شهدتها محافظة السويداء، محذرًا من نقص حاد في الأدوية، وانقطاع تام للمياه والكهرباء. وكان بيان صادر عن «الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز» قد أعلن السويداء «مدينة منكوبة» منذ صباح أمس، كما أعلن «الحداد العام» في عموم المحافظة، مطالبًا بفتح المجال أمام الفرق الطبية وفرق توثيق الانتهاكات للقيام بمهامها من دون عوائق.

مشاركة المقال: