الإثنين, 14 يوليو 2025 07:46 AM

بعد الحرائق: خطة شاملة لإعادة الحياة إلى الأراضي والغابات المتضررة

بعد الحرائق: خطة شاملة لإعادة الحياة إلى الأراضي والغابات المتضررة

مع حلول فصل الصيف، تتكرر المأساة، حيث تلتهم النيران المحاصيل وتدمر الغابات، مخلفة وراءها رمادًا وأرضًا قاحلة. ومع كل خبر عن حريق، يبرز سؤال ملح: ماذا بعد؟ كيف يمكن إعادة تأهيل الأراضي المتضررة وهل يمكن أن تعود إلى حالتها السابقة؟

للأسف، غالبًا ما يتم التعامل مع آثار الحرائق بطرق تقليدية قديمة، مع تجاهل الحقائق العلمية. لذا، يجب على الجهات المعنية، مثل وزارتي الزراعة والإدارة المحلية والبيئة، وضع خطة تأهيل مبسطة للفلاح السوري، تتضمن كيفية التعامل مع الأراضي المحروقة وكيفية البدء في إعادة تأهيل الأراضي الزراعية بعد الحريق.

الخبيرة الزراعية الدكتورة انتصار الجباوي أوضحت أن الأرض بعد الحريق قد تبدو كأنها رماد صالح للزراعة، لكن الحقيقة العلمية مختلفة. فالحرائق تؤثر على التربة من خلال احتراق المادة العضوية، مما يؤدي إلى فقدان خصوبتها وتصلب سطحها، وهو ما يمنع نفاذ الماء ويزيد من خطر التعرية. كما تؤثر الحرائق على التوازن البيولوجي في التربة، وتقتل الكائنات الدقيقة المفيدة، وتؤدي إلى حموضة زائدة أو بقايا سامة بفعل الرماد المحترق.

وبينت الجباوي لصحيفتنا الحرية الخطة التي يمكن البدء بها لتأهيل الأراضي الزراعية بعد الحريق، مؤكدة أن الأرض المحروقة ليست ميتة، ولكنها تحتاج إلى خطة تأهيل تتضمن تنظيف الرماد وبقايا الحريق يدويًا أو آليًا دون حرث عميق، والانتظار حتى أول مطر خريفي قبل اتخاذ قرارات الزراعة، وإجراء تحليل أولي للتربة (حموضة، ملوحة، مادة عضوية) لتحديد الاحتياجات، والبدء بتطبيق الزراعة الذكية في هذه الأرض من خلال زراعة محاصيل تغطية مؤقتة مثل الشعير أو العدس لتحسين التربة، وإضافة السماد العضوي المتحلل لاستعادة التوازن الطبيعي، مع تجنب التسميد الكيميائي المكثف في السنة الأولى.

وبخصوص الأراضي الحراجية والغابات، أشارت الجباوي إلى أن هذه الأراضي لا تزرع فورًا، حيث تتم مراقبة ظهور التجدد الطبيعي (نمو شتلات برية) لمدة عام كامل، وإذا لم يحصل ذلك، يتم زراعة أنواع محلية مقاومة للجفاف مثل السنديان، الزعرور، الخرنوب، البطم، مع حمايتها من الرعي والحرائق الجديدة.

ونوهت الجباوي بأن الآلية التي تمنع تكرار الكارثة تتمثل في إنشاء خطوط نار عازلة حول الأراضي الزراعية، مع تنظيم حملات توعية قروية حول السلوكيات المسببة للحرائق، إضافة إلى تشكيل فرق مراقبة أهلية بالتعاون مع البلديات والمنظمات المحلية. كما يمكن إعادة استخدام الرماد بنسب علمية، كإضافة لتحسين بعض أنواع التربة، بإشراف مختصين.

وأضافت الجباوي: في ضوء التحديات المتزايدة بفعل الحرائق الصيفية، فإننا نوجه دعوة صريحة إلى وزارة الزراعة ومديرياتها في المحافظات كافة، وكذلك إلى الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، لإطلاق برنامج وطني لتأهيل الأراضي المتضررة بالحرائق، يشمل إعداد أدلة إرشادية مبسطة للفلاحين حول خطوات التأهيل بعد الحريق، مع تنفيذ دورات ميدانية في القرى المتضررة بإشراف مرشدين وفنيين مختصين، وتخصيص خطة عاجلة لدعم الفلاحين المتضررين بالبذار والسماد العضوي، وتعزيز دور البحث العلمي في تطوير بروتوكولات تأهيل بيئي فعالة ومناسبة للمناخ السوري. منوهة بأنه لا يمكن أن نواجه خطر الحرائق الموسمية فقط بالإطفاء، بل بالاستعداد، والوقاية، والتأهيل الذكي.

الحريق ليس نهاية الأرض، بل اختبار لإرادتنا في إحيائها، وإعادة التأهيل لا تحتاج معجزة، بل تحتاج إلى علم، وصبر، وتعاون بين الفلاح، والإرشاد، والمؤسسات، فلتكن حرائق هذا الصيف بداية وعي جديد: زراعة ما بعد الحريق، زراعة حياة.

مشاركة المقال: