الأحد, 13 يوليو 2025 10:51 PM

تحولات استراتيجية لتنظيم داعش في سوريا: من البادية إلى المدن.. هل ينجح في تغيير قواعد اللعبة؟

تحولات استراتيجية لتنظيم داعش في سوريا: من البادية إلى المدن.. هل ينجح في تغيير قواعد اللعبة؟

هل ينجح تنظيم "داعش" بتغيير قواعد اللعبة في سوريا؟

بينما تواصل الحكومة السورية عملياتها الأمنية لملاحقة خلايا تنظيم الدولة وعناصره، يشهد التنظيم تغييرات ملحوظة في إعادة الانتشار والعمليات والأهداف، بما يتناسب مع المرحلة الجديدة.

أثارت عودة الحديث عن خطر تنظيم "داعش" في سوريا، وآلية عمله وانتشاره بعد سقوط نظام الأسد، تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق في 22 حزيران/يونيو، والذي لم يتبنه التنظيم بحسب وزارة الداخلية السورية.

وفي سياق متصل، تجري الحكومة السورية عمليات أمنية متواصلة لملاحقة خلايا التنظيم وعناصره في البادية السورية والمدن السورية، حيث كان ينشط قبل سقوط النظام، ويجري التنظيم تغييرات واضحة على صعيد إعادة الانتشار والعمليات والأهداف، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الجديدة. وقد وجه التنظيم رسائل للإدارة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، من مغبة الانضمام للتحالف الدولي ضد داعش.

من البادية إلى المدن

في اليوم التالي لتفجير كنيسة مار إلياس، الذي أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 63 آخرين، نفذت وزارة الداخلية عملية أمنية استهدفت مواقع "خلايا إرهابية مرتبطة بتنظيم داعش"، في مدينتي حرستا وسقبا بريف دمشق، وأسفرت العملية عن إلقاء القبض على متزعم الخلية وخمسة من عناصرها، بالإضافة إلى مقتل اثنين، أحدهما كان المتورط الرئيسي في تسهيل دخول الانتحاري إلى الكنيسة، و"الآخر كان يجهز لتنفيذ عمل إرهابي في أحد أحياء العاصمة"، بحسب وزارة الداخلية.

وفي 26 أيار/ مايو الماضي، ألقت قوات الأمن الداخلي (الأمن العام) في الغوطة الغربية بريف دمشق، القبض على عدد من عناصر "داعش"، وضبطت في العملية عبوات ناسفة وسترات انتحارية وأسلحة في مراكز وتجمعات لـ"داعش". وسبقتها عمليات مماثلة في الزبداني بريف دمشق، خان شيخون بريف إدلب، وفي مدينة حلب وغيرها.

تشير تحركات داعش والعمليات الأمنية هذه إلى أن التنظيم منذ سقوط النظام "انتقل بشكل أكبر إلى داخل المدن على حساب انتشاره في البادية السورية، التي انخفضت عملياته فيها مقارنة بالسنوات الماضية"، كما قال الباحث محمد أديب لـ"سوريا على طول"، مرجعاً ذلك إلى أن "البادية صارت منطقة مكشوفة بعدما نفذت الحكومة السورية عدة عمليات ضد التنظيم فيها، ما زاد من الضغط على مجموعاته هناك"، ناهيك عن أن "حركة التنظيم داخل المدن أسهل نظراً لطبيعتها الجغرافية وكثافتها السكانية، وحالة الفوضى الأمنية وفوضى الثبوتيات".

وأشار أديب إلى أن "قيمة العمليات داخل المدن أكبر منها في البادية بالنسبة للتنظيم، الذي يحاول إحراج الحكومة السورية"، لافتاً إلى أن "التنظيم لم يعلن عن عمليات في البادية منذ سقوط النظام، وهذا مؤشر على أن جزء من عملياته خلال السنوات السابقة في البادية كان بالتواطؤ أو بفعل الميليشيات الإيرانية، التي انسحبت بسقوط النظام".

وقال مصدر إعلامي في الفرقة 70 في الجيش السوري الجديد، التي تنتشر في منطقة البادية السورية، شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام: "استغل عناصر تنظيم داعش فترة بداية سقوط النظام للدخول إلى المدن والتمركز فيها بدلاً من البادية"، مضيفاً: "نشاط تنظيم داعش في البادية يكاد يكون انتهى، ولم يعد لها تحركات، بسبب الحملات العسكرية التي نفذها الجيش السوري والتحالف الدولي".

وفي هذا السياق، قال الباحث والأكاديمي السوري عرابي عبد الحي عرابي أن هناك "تحولات جوهرية طرأت على نشاط داعش" بعد سقوط نظام الأسد، إذ "انتقل من من نمط الكمون [السكون أو الهدوء] في البادية إلى نمط هجومي يستهدف مناطق مدنية ورمزية، كما في تفجير كنيسة مار إلياس"، التي حاول من خلالها "إثبات الحضور واستغلال الفراغ الأمني".

ولم يكتف التنظيم بالبقاء في مناطقه التقليدية، وإنما "يسعى إلى التموضع في بلدات ريفية في أطراف البادية، والحواضر مثل حلب وحمص، وأرياف دير الزور والرقة، وقد ظهرت مؤشرات على سعيه اختراق مناطق مدنية لم تكن خلاياه فيها سابقاً"، كما أضاف عرابي لـ"سوريا على طول". ورغم أن نشاط التنظيم انخفض مقارنة بالعام الماضي بسبب "تغير خريطة الانتشار للفواعل والقوى على الأرض السورية"، إلا أنه "واصل عمله في قواعده التقليدية بمحافظات دير الزور والرقة والحسكة"، بحسب أديب.

هل غيّر التنظيم من أنماط عملياته؟

في كانون الثاني/ يناير الماضي، أحبطت وزارة الداخلية تفجيراً إرهابياً من قبل "داعش" يستهدف مقام السيدة زينب في جنوب دمشق، بعد اعتقال أعضاء الخلية وبث اعترافاتهم. سبق أن نفذ التنظيم عمليات سابقة في منطقة السيدة زينب عندما كانت المنطقة تحت سيطرة نظام الأسد، ففي تموز/ يوليو 2023، فجر دراجة نارية مفخخة وأسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 20 آخرين. وفي شباط/ فبراير 2016، شن التنظيم هجوماً انتحارياً مزدوجاً وقع بالقرب من مقام السيدة زينب، أدى إلى مقتل 134 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين.

تفجيرات داعش كانت "تستهدف النظام وليس دور العبادة، رغم وقوع ضحايا في صفوف المدنيين"، وفي السنوات الثلاث الأخيرة "لم يهاجم التنظيم دور العبادة والمساجد والكنائس والمقامات"، حتى التفجير المزدوج عام 2016 كان النظام "هو المستهدف"، بحسب أديب.

وقال أديب: "وهذا يطرح تساؤلاً ما إن كان التنظيم هو من نفذ عملية مار الياس – رغم أنه لم يتبنّها – أم أن أفراداً من عناصره نفذوا العملية لصالح أطراف أخرى؟"، مضيفاً: "تفجير مار الياس يستهدف الإدارة الجديدة [برئاسة الشرع] عبر المكون المسيحي، ويحاول إحراج الحكومة عبر استهداف أكثر مكون لم تواجه [دمشق] مشاكل معه".

وقال عرابي: "تغيرت أنماط عمليات التنظيم بعد سقوط النظام، إذ صارت أكثر جرأة وتركيزاً على الأهداف المدنية والسياسية، مقارنة بمرحلة ما قبل سقوط النظام، التي تميزت بهجمات متقطعة وكمائن في البادية"، وهو ما يعكس "سعي التنظيم لإعادة التموضع داخل المشهد".

بدوره، رأى الباحث العسكري والضابط المنشق عن نظام الأسد، رشيد حوراني، أن "عمليات التنظيم ونشاطه لا يزال في إطار زعزعة الأمن"، بما في ذلك تفجير كنيسة مار الياس، وهي "من أبرز عملياته، التي اعتمد فيها على الجانب الأمني في خدمة العمل العسكري".

وأضاف حوراني: رغم "تصاعد" عمليات التنظيم "لكنها ليست بالدرجة التي يحاول التنظيم ترويجها، وأنه موجود وقادر على تغيير الوضع لصالحه". وأرجع حوراني التغيرات التي طرأت على أماكن انتشار التنظيم إلى "التعاون والتنسيق بين قوات الجيش السوري [الجديد] وقوات التنف المدعومة من الولايات المتحدة، وتشكيل مسرح عمليات موحد بينهما هدفه بسط سيطرة النظام الجديد ومواجهة داعش"، وكذلك إلى "تجانس القوات المنتشرة في المنطقة وخاصة شرق سوريا بما تحمله من هدف يتمثل بمواجهة التنظيم"، بينما كانت تسعى كل جهة من الجهات المسيطرة على البادية سابقاً (روسيا وإيران وقوات النظام) السيطرة على حساب الآخر.

لذا، حاول التنظيم التغلب على الواقع الجديد بتغيير أنماط عمله إلى الاعتماد على "أشخاص وخلايا تحاول زعزعة الأمن كما في تفجير مار إلياس، أو انتساب عناصر من داعش للأجهزة الأمنية والعسكرية واختراقها كما حصل في درعا"، قال حوراني.

“تحالفات الضرورة”

قال حوراني: بسقوط نظام الأسد البائد، ووصول الرئيس الشرع إلى الحكم، الذي كان يتزعم هيئة تحرير الشام، وجد تنظيم داعش "الفرصة مواتية لمحاولة زيادة نشاطه مستفيداً من حل الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام وانسحاب حلفائه، وضعف الأجهزة الأمنية الجديدة التي ما تزال في طور التشكيل".

ولتحقيق أهدافه يحاول التنظيم "تشكيل تهديد للنظام الجديد -المنحدر في الأساس من تنظيم جهادي- عبر محاولة استمالة عناصر [الأخير] من خلال تكفيرهم و واتهامهم بموالاة الغرب، وفسح المجال لاستقبالهم في صفوفه واستخدامهم لاحقاً في مواجهة تنظيمهم الأم الهيئة"، بحسب حوراني.

وكذلك، اعتمد التنظيم على ما يسمى "تحالفات الضرورة"، التي تتمثل في "تعاونه مع فلول الميليشيات الإيرانية في منطقة انتشاره، ومع قوات سوريا الديمقراطية لتنفيذ عملياته في مناطق النظام الجديد"، من وجهة نظر حوراني.

تبدي الإدارة السورية الجديدة منذ وصولها إلى سدّة الحكم في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تغييرات جذرية على صعيد خطابها وممارستها والانفتاح على بقية السوريين والعالم. ورغم أن هذه التحولات بدأت قبل أكثر من خمس سنوات إلا أنها بعد سقوط النظام انفتحت على نحو غير مسبوق، ما قد يدفع فعلاً بعض عناصرها إلى الانشقاق أو المغادرة.

قال عرابي: "خطاب الإدارة الجديدة القائم على الانفتاح والتعددية يمكن أن يدفع بعض الناقمين على هذا التوجه إلى النظر في الانتقال نحو تنظيم الدولة أو حتى التمرد الذاتي، باعتباره ملاذاً أيديولوجياً ينفس عن توجهاتهم".

وفي ضوء هذا الطرح، من المحتمل أن "يعمل التنظيم على التمدد الهادئ في المناطق الريفية أو يعود إلى نمط العصابات في حال اشتداد الحملة الأمنية، مع احتمالات لعقد تحالفات ظرفية مع جماعات مغالية أخرى"، كما أضاف عرابي.

تعليقاً على ذلك، قال حوراني: "العناصر الرافضة لهذه التحولات قليلة رغم وجودها"، ومع ذلك، "يعمل التوجيه الشرعي في صفوف الإدارة الجديدة عبر برامج ودورات وندوات على تأكيد صحة توجه الإدارة لبناء الدولة وفرض الاستقرار، [وهو أفضل] من الانخراط في مشروع غير واضح المعالم وتعاديه جهات متعددة".

في المقابل، يواجه التنظيم "صعوبة في [تجنيد] عناصر جديدة في صفوفه"، قال أديب، لافتاً إلى أن العناصر الذين تم إلقاء القبض عليهم في محاولة تفجير السيدة زينب وتفجير مار إلياس، تشير إلى أنهم "أشخاص قادمون من قواعده التقليدية: المنطقة الشرقية أو البادية لتنفيذ العملية، ولم يتم ضبط أية عناصر كانوا مع هيئة تحرير الشام وانتقلوا إلى صفوف داعش اعتراضاً على سياسة الحكومة".

وقال أديب: "يعمل التنظيم على خطاب ضد الحكومة السورية ونشر الكثير من المقالات ضدها"، بدأ هذا الخطاب متدرجاً حتى وصل إلى "مهاجمة علنية وتبنى عمليات ضدها"، وقد لعب على وتر أن الإدارة الجديدة "تخلت عن المبادئ الدينية وصارت عميلة للغرب، ويحاول استمالة عناصرها والناس، ليصبح هو محط استقطابهم"، محذراً من أن استقطاب العناصر لصفوفه "لا يتعلق بالحل السياسي والتحولات في الإدارة الجديدة، وإنما قد يكون مرتبط أيضاً بالوضع الاقتصادي" المتردي الذي تشهده البلاد.

لا يستبعد أديب وجود عناصر معترضين على التحولات في الإدارة الجديدة، ولكن "حتى الآن لم يبرز كيان جديد لهم، إذ إن غالبية المعترضين التزموا بيوتهم"، ناهيك عن أن "النموذج الأمني في إدلب كان حازماً وقاسياً، خاصة ضد المنشقين [عن الهيئة] والذين حاولوا تشكيل تنظيمات مستقلة، لذا فإن تفكير البعض بإعادة تجارب سابقة يضعهم أمام مصير سيء".

وقال أديب: "تعمل الحكومة على تطوير استراتيجية للتعامل مع التنظيم، وهو اليوم على سلم أولوياتها"، وهذا لا يعني بالضرورة أن "يتوقف التنظيم عن محاولات استقطاب عناصر جديدة مستغلاً الوضع الأمني والاقتصادي وملف مخيمات وسجون داعش في شرق سوريا".

واتفق عرابي مع ذلك، قائلاً: "السلطات السورية تعمل على تفكيك الخطاب المتشدد ومرتكزات الجماعات المتطرفة عبر العمل الأمني ضدها في مختلف المواقع".

رغم كل المؤشرات على عودة نشاط التنظيم، لا يرجح حوراني أن تشهد المرحلة المقبلة "تمدداً للتنظيم من ناحية الانتشار أو العمليات"، ولكن في أحسن الأحوال "قد يلجأ إلى تنفيذ عمليات خاطفة هنا وهناك"، بحسب حوراني، مستنداً في رأيه إلى "قلة مؤيدي التنظيم على الساحة السورية من جهة، وتشديد الإجراءات الأمنية ضده"، بالإضافة إلى "دمج المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش السوري".

مشاركة المقال: