الإثنين, 7 يوليو 2025 06:05 PM

اتفاق جدة بين لبنان وسوريا: هل ينجح التعاون الأمني في فتح الطريق نحو ترسيم الحدود؟

اتفاق جدة بين لبنان وسوريا: هل ينجح التعاون الأمني في فتح الطريق نحو ترسيم الحدود؟

وقّع لبنان وسوريا في آذار/مارس 2025 اتفاقًا أمنيًا – تنسيقيًا في مدينة جدة برعاية سعودية، عُرف باسم اتفاق جدة. كان الهدف من هذا الاتفاق إعادة ضبط العلاقات الثنائية وإحياء ملفات ظلت لسنوات طويلة معلقة بسبب الخلافات السياسية.

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على توقيع الاتفاق، يثار تساؤل هام: ما الذي تحقق فعليًا؟ وهل يمكن البناء عليه كمدخل لتعاون سيادي جاد، أم أنه سيظل محصورًا في نطاق التنسيق الأمني الميداني المحدود؟

التقدم المحرز حتى الآن يتركز بشكل واضح في الجانب الأمني من الاتفاق. فقد تم الإعلان عن تشكيل غرف عمليات مشتركة على جانبي الحدود اللبنانية – السورية، بمشاركة مباشرة من ضباط من الجيشين، بهدف التصدي لعمليات التهريب المنظم، وضبط خطوط العبور غير الشرعية، وتبادل المعلومات حول المجموعات المسلحة والخلايا الإجرامية التي تنشط في المناطق الحدودية الوعرة.

وصفت مصادر أمنية هذا التعاون بأنه "واقعي وفعّال"، مؤكدة أن الحدود الشمالية والبقاعية شهدت منذ نيسان انخفاضًا ملحوظًا في عمليات التهريب، وتراجعًا في حوادث الاشتباك بين عناصر الأمن والمجموعات المسلحة.

وتكشف المصادر عن "تنسيق يومي مباشر" يتم عبر خطوط اتصال عسكرية، وهو ما كان مفقودًا سابقًا منذ ما بعد عام 2011.

يبدو أن هذا هو التقدم الوحيد الذي تحقق حتى الآن. فعلى صعيد ترسيم الحدود – وهو البند الأكثر حساسية في اتفاق جدة – لم يتحقق أي تقدم ملموس حتى اليوم. وبالرغم من تشكيل لجنة تقنية مشتركة، لم تنطلق حتى الآن ورشة العمل الميدانية لرسم الحدود البرية بين البلدين.

تعزو مصادر مطلعة هذا التأخير إلى "تعقيدات داخلية لدى الجانب السوري، وغياب الإرادة السياسية الحاسمة في دمشق"، إضافة إلى "الارتباط العميق لبعض المناطق الحدودية بمصالح قوى غير رسمية". وتشير المصادر إلى وجود عصابات سورية وجماعات تهريب من الناحية السورية، بالإضافة إلى "حزب الله" من الجانب اللبناني، مؤكدة أن أي تقدم في هذا الملف يتطلب "قرارًا سياديًا واضحًا من دمشق"، قد لا يكون متوفرًا في المدى المنظور، خاصة في ظل التجاذبات الإقليمية المستمرة، وارتباط الملف برهانات دولية تتجاوز طبيعته الثنائية.

تشير الوقائع حتى الآن إلى أن اتفاق جدة هو ترتيب أمني ناجح، لكنه لا يرقى إلى مستوى اتفاق شامل يعيد تعريف العلاقة بين الدولتين على أسس دبلوماسية وسيادية. ولا تزال الملفات السياسية والاقتصادية الكبرى – من بينها مسألة النازحين السوريين، والمفقودين اللبنانيين، والتبادل التجاري، والتمثيل الدبلوماسي الكامل – خارج إطار التنفيذ العملي، ولا يبدو أن هناك نية حقيقية للقيام به في المدى المنظور.

حتى اللحظة، لا يبدو أن هناك مسارًا متكاملًا يجمع بين التقدم الأمني والتفاهم السياسي. بل يمكن القول إن ما تحقق حتى الآن يمثل أرضية ميدانية قابلة للبناء عليها، ولكن دون أوهام كبيرة حول حصول "انفراج شامل" في المدى القريب.

في المحصلة، يمكن اعتبار اتفاق جدة محطة مفصلية في إعادة ترتيب العلاقة اللبنانية – السورية، لكنه لا يزال في طور الاختبار. فبينما ينجح الجيشان اللبناني والسوري في ضبط الحدود ومنع التدهور الأمني، تبقى الملفات السيادية والسياسية الكبرى مؤجلة، تنتظر إرادة فعلية، وغطاءً إقليميًا متماسكًا، وتفاهماً داخلياً لم يتبلور بعد في كلا البلدين.

مشاركة المقال: