بعد سنوات من الغياب عن المشهد السياسي، عادت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل لتنتقد سياسة الهجرة، ولكن هذه المرة بصفتها ناقدة لا صاحبة قرار. انتقدت ميركل، في تصريحات اتسمت بالوضوح القانوني والبعد الإنساني، تعامل الحكومة الحالية مع طالبي اللجوء، مؤكدة أن طلب اللجوء يجب أن يُقابل بإجراء قانوني عادل، وليس بالترحيل الفوري.
تزامن ذلك مع مصادقة البرلمان الألماني (البوندستاغ) على قانون بتعليق لم شمل أسر اللاجئين الحاصلين على "الحماية الثانوية" لمدة عامين، وهو ما أثار جدلاً واسعاً. وتأتي هذه الخطوة ضمن حزمة قوانين جديدة يسعى وزير الداخلية الاتحادي، ألكسندر دوبرينت، إلى تمريرها للحد من تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ألمانيا. يستهدف هذا الإجراء اللاجئين الذين مُنحوا "الحماية الثانوية"، وهي حماية مؤقتة تُقدم للأشخاص المعرضين لمخاطر جسيمة في بلدانهم الأصلية، دون استيفاء شروط اللجوء الكامل.
يروي أبو مهيب، لاجئ سوري يبلغ من العمر 34 عامًا وأب لثمانية أطفال، رحلته الشاقة إلى ألمانيا قائلاً: "خضت رحلة التهريب بعد أن دفعت تسعة آلاف يورو. استغرقت الرحلة خمسة وعشرين يومًا عبر جبال روسيا. كنا نسير وسط الثلوج، نتضور جوعًا، ونترقب الموت في كل لحظة. الأمل الوحيد كان الوصول إلى ألمانيا لإحضار أطفالي."
ويضيف أبو مهيب: "عندما وصلت، كانت الحكومة الألمانية تسمح بلمّ الشمل. قيل لنا إنه بمجرد الحصول على الإقامة، سيكون بمقدورنا تقديم طلبات لمّ العائلة. لكن القوانين تغيّرت فجأة، ومرت ثلاث سنوات ونحن في انتظار دورنا." ويشير إلى أن أطفاله الثمانية يعيشون بلا أب، محرومون من التعليم والرعاية والاستقرار.
يعيش أطفال أبو مهيب مشتتين بين أقارب وجيران، بينما انفصل عن زوجته الأولى التي تعيش حاليًا في تركيا، وأطفاله منها يعيشون في ظروف قاسية، وأطفاله الثلاثة من زوجته الثانية مع أهلها في سوريا.
يقول الناشط الحقوقي عباس الدليمي: "تلقينا العديد من المناشدات من عائلات سورية حاصلة على الحماية الثانوية، تعاني من الغموض بعد قرار تعليق لمّ الشمل. نقلنا هذه المطالب إلى الجهات الألمانية."
ويُوضح أبو مهيب: "هل يُعقل أن أبدأ الإجراءات من جديد؟ ثم أُجبر على الانتظار سنة ونصف أو أكثر؟ هذا ظلم. أعيش منذ ثلاث سنوات بعيدًا عن أولادي، لا أستطيع العودة إلى سوريا، ولا إحضارهم إليّ. فكرة تهريبهم مستحيلة، فقد اختبرت الموت بنفسي في الطريق، والتكاليف باهظة، وعدد أطفالي كبير. كيف أعرضهم لذلك الخطر؟"
وبحسب الموقع الرسمي للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، تُمنح الحماية المؤقتة للأشخاص الذين يثبتون وجود مخاطر كبيرة تهدد حياتهم ولا تتوفر لهم الحماية الكافية في بلادهم الأصلية.
من جهة أخرى، تروي اللاجئة السورية رنا (اسم مستعار، 31 عامًا)، وهي أم لطفلين، رحلتها المحفوفة بالمخاطر للوصول إلى ألمانيا، على أمل جمع شمل أسرتها. تقول رنا: "وصلت إلى ألمانيا بعد أن سلكت طريق الغابات عبر بيلاروسيا وبولندا. مشيت خمسة أيام وسط العتمة والبرد والخوف. رأيت أشخاصًا يفقدون حياتهم. حصلت على الحماية الثانوية، وانتظرت ثلاث سنوات لتبدأ إجراءات لمّ الشمل، لكنني فوجئت بتجميدها."
توضح رنا: "هذا القرار قاسٍ وغير عادل. انتظرت ثلاث سنوات، والآن يُطلب مني تحمل سنتين إضافيتين. لا أعلم إن كنت سأتمكن من لمّ شمل أطفالي قبل أن يكبروا وينسوني."
يؤكد عباس الدليمي أن الهدف من القرار الحكومي هو تهدئة مخاوف المواطن الألماني المستاء من تزايد أعداد اللاجئين.
تضيف رنا: "أطفالي يعيشون الآن من دون أم، ولا أحد يرعاهم كما يجب. لا تعليم ولا استقرار ولا تواصل حتى. هل هذا هو مستقبلهم؟ ألم نأتِ إلى ألمانيا باعتبارها بلد الإنسانية وحقوق الإنسان؟"
ويشير الدليمي إلى أن لمّ الشمل يعد جزءًا لا يتجزأ من خطة الاندماج، لذا، شكل قرار تعليق لمّ الشمل صدمة كبيرة.
تتساءل رنا: "لماذا يحصل بعض اللاجئين على لمّ الشمل، بينما يُحرَم آخرون؟ هل سننتظر ست سنوات أخرى قبل أن نتمكن من الحصول على الجنسية؟ هل يُراد لنا أن نعود؟ وإلى أين؟ إلى الموت؟".
المستشار الألماني فريدريش ميرتس، أعلن عزمه تنفيذ مزيد من عمليات الترحيل، منتقدًا سياسات الهجرة في عهد المستشارين السابقين أولاف شولتس وأنغيلا ميركل.
بحسب السجل المركزي للأجانب، بلغ عدد الأشخاص الحاصلين على الحماية الثانوية المقيمين في ألمانيا أكثر من 381 ألفًا بنهاية عام 2024، منهم نحو 296,000 لاجئ من سوريا.
"العالم كله يرى ما يحدث في سوريا من تفجيرات وقصف وفوضى، حيث لا أمان هناك. وإذا لم يكن من أجلنا، فليكن من أجل أطفالنا" تقول رنا. (DW)