شهدت مدينة إسطنبول يوم الإثنين الماضي حادثةً بارزة، حيث تجمّع عدد من الأشخاص وتوجهوا نحو مبنى مجلة «leman» الأسبوعية المتخصصة في الرسوم الكاريكاتورية، الواقعة في شارع «تقسيم» الشهير. طالب المحتجون، بعد تحطيم زجاج المبنى، باعتقال المسؤولين عن المجلة وإغلاقها.
صرّح ألبر خان، رئيس فرع إسطنبول لمنظمة «جبهة غزاة الشرق العظيم» الدينية المتطرفة والمحظورة، والتي قامت بمهاجمة المبنى، قائلاً: «هذه أرض الأناضول المسلمة. يجب على الجميع أن يتذكر هذا: إما أن نرحل نحن، وإما أن يرحلوا هم. إما أن نموت، وإما أن يموتوا هم». وعلى الفور، قام وزير الداخلية، علي يرلي قايا، بإغلاق بعض محطات المترو لمنع وقوع أعمال شغب، ووصف الرسم الكاريكاتوري بأنه «خسيس ووقح»، وتوعد بمحاسبة المسؤولين عن هذا «العمل الشنيع بحق نبينا الحبيب» أمام القانون.
وكانت المجلة قد نشرت في عددها الورقي الصادر بتاريخ 27 حزيران، رسماً كاريكاتورياً يصور أرضاً خراباً ومباني مدمرة تتساقط عليها القذائف وتشتعل فيها النيران. وفي سماء المشهد، يظهر شخصان ملتحيان، يقول أحدهما للآخر: «السلام عليكم، أنا محمد»، فيجيبه الآخر وهو يرتدي القلنسوة اليهودية: «عليكم شالوم، وأنا موسى».
بدا واضحاً أن المقصود بالمكان المصور في الكاريكاتور هو غزة، أو أي أرض فلسطينية مارس فيها الإسرائيليون الإبادة. إلا أن البعض فسر الشخصين الظاهرين في الرسم على أنهما النبيان محمد وموسى، مما أثار موجة من الدعوات للانتقام ممن يهاجمون النبي. وعلى إثر ذلك، تحركت النيابة العامة في إسطنبول على الفور، وبتهمة «الإساءة العلنية إلى القيم الدينية»، تم اعتقال صاحب الرسم الكاريكاتوري دوغان بهلوان، ورسام الغرافيك جبرائيل أوكتشو، والمدير المسؤول ظفر آق نار، ومدير المجلة علي ياووز.
أصدرت المجلة بياناً عبر حسابها على «إكس» دافعت فيه عن الرسم، قائلة: «الاسم الأكثر تداولاً في العالم كله هو اسم محمد أو ميميد أو مامادو، وجميعها أشكال مختلفة لاسم نبينا يستخدمها المسلمون. واليوم، يوجد 200 مليون شخص يحملون هذا الاسم. وقد أراد رسام الكاريكاتور أن يظهر مظلومية المسلم الذي تقتله إسرائيل كل يوم، وليس التقليل من شأن القيم الدينية. ونحن لا نقبل التهمة الموجهة إلينا، لأنه لا يوجد تصوير لنبينا. ومن يصوره على هذا الأساس، يحمل نوايا مبيتة. بل ندعو وزارة العدل والجهات الأمنية، وفي هذه المدة الحساسة التي تمر بها البلاد، إلى اتخاذ إجراءات ضد من يسعون إلى إشعال الفتنة».
لاحقاً، تبين أن اثنين ممن صدرت بحقهما مذكرة اعتقال، وهما صاحب المجلة تونجاي آق كون، ورئيس التحرير أصلان أوزده مير، كانا خارج البلاد. وفي حوار مع صحيفة «جمهورييات» من باريس، قال آق كون: «الاتهام بأننا نهين القيم الدينية كان صادماً، لكنه ليس مفاجئاً، والرسم لا يصور النبي محمد»، مشيراً إلى أنهم «يريدون تشبيه القضية برسوم مجلة شارلي إيبدو عام 2015، حيث قتل 12 شخصاً في الحادثة». وأضاف: «لقد أصدرنا خمسة أعداد خاصة بفلسطين، فهل يمكن لمن يفعل ذلك أن يكون معادياً للإسلام؟»
وصف آق كون ردود الفعل على الرسم الكاريكاتوري بأنها «عملية تدمير مدبرة، بل عملية إعدام خارج القانون»، قائلاً: «رسمنا مئات الرسوم عن غزة، والآن يعمل أدعياء الدفاع عن فلسطين على شنقنا».
وكان الرئيس التركي نفسه، رجب طيب إردوغان، في مقدمة المعلقين، حيث قال إن «الإهانة من جانب من لا يلتزمون بالآداب العامة أمر مرفوض تماماً، وهي استفزاز واضح مقنع بغطاء الفكاهة. إنه استفزاز حقير، وسيحاسب الوقحون أمام القانون». وفي الاتجاه نفسه، اعتبر أحمد داود أوغلو أن الرسم الكاريكاتوري «يهدف إلى تقسيم المجتمع تحت ستار حرية الفكر. وهو يسيء إلى مقدسات المؤمنين».
ولم تتأخر المعارضة أيضاً في انتقاد الرسم الكاريكاتوري، إذ رأى رئيس «حزب الديموقراطية والتقدم»، علي باباجان، أن «قلة الاحترام لنبينا تسيء إلى السلم الأهلي ولا يمكن قبولها بأي شكل من الأشكال. لا يجب أن تكون حرية التعبير وسيلة للكراهية والتمييز. ولنبق هادئين وفي إطار الاحترام والقانون».
ومن جهته، قال رئيس «حزب السعادة»، محمود أربكان، إن ما جرى «ليس حرية تعبير، بل جريمة كراهية وإهانة للقيم المقدسة». كذلك، دان رئيس بلدية إسطنبول المعتقل، أكرم إمام أوغلو، الكاريكاتور، عاداً إياه «وقاحة توجه إلى نبينا ولا يجب التغاضي عن محاولات استفزاز المجتمع عبر الحساسيات الدينية».
أما رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، فقال إن الكاريكاتور «جرح ضمير الأمة، ومن جرائه تحطمت قلوب الملايين من شعبنا».
وفي الوسط الصحافي، رأى الكاتب المعارض في صحيفة «قرار»، طه آقيول، أن المطلوب هو «التحلي بالهدوء والاعتدال»، مؤكداً رفضه إهانة القيم، لكن «المشكلة الفعلية، منذ سنوات، هي في الدخل المنخفض للأجور الذي يفضي إلى هذه الأحداث. التدهور الاقتصادي هو أساس علامات مجتمعنا المريض». ولم يجد الكاتب الموالي، عبد القادر سيلفي، من جهته، حرجاً في توجيه أصابع الاتهام إلى «حزب الشعب الجمهوري»، الذي يتعرض لحملة شرسة لإضعافه وربما إغلاقه، قائلاً إن «نشر الرسم الكاريكاتوري متعمد، ويقف وراءه رئيس الحزب أوزغور أوزيل».