الخميس, 19 يونيو 2025 08:39 PM

عودة "سويفت" إلى سوريا: خطوة نحو الاندماج المالي العالمي تتطلب تأهيل البنوك وتعزيز الشفافية

عودة "سويفت" إلى سوريا: خطوة نحو الاندماج المالي العالمي تتطلب تأهيل البنوك وتعزيز الشفافية

عنب بلدي – كريستينا الشماس تترقب المرحلة الانتقالية في الاقتصاد السوري عودة منتظرة لإعادة اندماج تدريجي في النظام المالي العالمي، بعد 14 عامًا من العزلة المالية نتيجة العقوبات الأوروبية- الأمريكية السابقة التي فرضت على القطاع الاقتصادي.

العقوبات الاقتصادية التي طالت مصرف سوريا المركزي والمصرف التجاري السوري، واللجوء لنظام "الحوالة" غير الرسمي، ألحقت ضررًا بالمواطنين الذين يعتمدون على التمويل الخارجي من السوريين في الخارج ومن المنظمات الإنسانية الدولية. وأسهمت العقوبات المفروضة على "المركزي السوري" في تقليل التدفقات المالية الخارجية بصورة كبيرة، ما يعني خنق نشاط المصارف السورية، وفقد سيطرتها على سعر الصرف، وهروب غالبية المصارف الأجنبية من البلاد، عدا المصارف الإسلامية والخليجية التي حافظت على علاقاتها وتصدرت المشهد المحلي للقطاع المصرفي رغم أنها حديثة العهد في سوريا.

وأثرت العزلة الاقتصادية على نمو وتطور المصارف الخاصة، رغم أنها لم تكن على قائمة المؤسسات المستهدفة في العقوبات، إذ إنها مرتبطة بمصارف لبنانية وأردنية، لكنها خسرت علاقاتها مع المصارف الغربية "الوسيطة" بسبب سياسات الامتثال وتجنب المخاطر.

"سويفت".. نافذة دولية

يعتزم مصرف سوريا المركزي العمل على إعادة ربط النظام المصرفي في سوريا بنظام التحويل العالمي "سويفت"، بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا. وقال حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، إن المصرف بدأ العمل على تفعيل نظام "سويفت" الخاص بالتحويلات الدولية، مشيرًا إلى أن هناك أكثر من 50 بنكًا عربيًا ودوليًا أبدى اهتمامه بفتح فرع له، والاستثمار في سوريا، قبل إعلان رفع العقوبات.

وأشار حصرية إلى أهمية رفع العقوبات الأمريكية لفك الحظر عن أموال المصرف المركزي، وأموال الدولة السورية، وإعادة بناء احتياطي لسوريا، وإمكانية إيداعه في بنوك خارجية، ما يخفف عبء الأموال (الكاش) وكسب الأرباح على إثر الإيداع.

نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماة، الدكتور عبد الرحمن محمد، قال لعنب بلدي، إن عودة المصارف السورية إلى النظام المالي العالمي وعودة نظام "سويفت"، تعتبر خطوة مهمة وأساسية، ولكنها تحمل في طياتها العديد من التحديات والإجراءات التي يجب أخذها بعين الاعتبار.

ويرى الباحث الاقتصادي محمد السلوم، أن عودة البنوك السورية إلى نظام "سويفت" العالمي بعد سنوات من العزلة المالية، أحد أبرز التحولات في المشهد الاقتصادي السوري خلال العقد الأخير. فهذه الخطوة، وإن بدت تقنية في ظاهرها، فإنها تنطوي على دلالات سياسية واقتصادية تتجاوز مجرد ربط المصارف بشبكة الاتصالات المالية العالمية، إذ تتيح إعادة تدفق التحويلات المالية من الخارج، لا سيما من السوريين المغتربين الذين كانوا يعتمدون في السنوات الماضية على قنوات غير رسمية ومرتفعة التكلفة، وصلت إلى حدود 40% إضافية في بعض الأحيان.

ومن جهة أخرى، تمثل إعادة تفعيل "سويفت" إشارة محتملة على انفتاح سياسي مقيد، يعكس استعداد بعض الأطراف الدولية لإعادة إدماج الاقتصاد السوري تدريجيًا، ولو من بوابة القطاع المصرفي، بحسب السلوم.

ونوه السلوم إلى أن التاريخ الاقتصادي يعلمنا أن إقصاء الدول عن النظام المالي العالمي يتم بسرعة، أما إعادة إدماجها فتتطلب سنوات من العمل المتواصل والشفافية، لذلك فإن عودة "سويفت" يجب أن تُقرأ كنافذة وليست كنجاة، وكفرصة استراتيجية وليست كضمانة تلقائية.

عودة تتطلب بناء الثقة

أوضح السلوم أن عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي لا تتمثل فقط في إعادة "سويفت" لتحقيق الاستفادة المنشودة، بل تتطلب بنية مصرفية جاهزة فنيًا وتشغيليًا، قادرة على الالتزام بالمعايير الدولية لاستحقاقات الانضمام إلى النظام المالي العالمي.

وأشار إلى أن عودة "سويفت" لا تبنى فقط على ربط تقني، بل على استعادة الثقة من جديد على المستوى الداخلي والخارجي، وهي عملة نادرة في بيئة مشبعة بالتحديات والقيود التنظيمية.

"نجاح هذه الخطوة يتطلب مزيجًا من الإرادة السياسية للإصلاح، واستثمارات ذكية في البنية التحتية المالية، بالإضافة إلى شراكات إقليمية مرنة قادرة على تعويض النقص في القنوات الغربية"، قال السلوم.

ويشاركه الرأي الدكتور عبد الرحمن محمد، أن عودة المصارف السورية إلى النظام المالي العالمي، تتطلب جهودًا كبيرة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك تحديث الأنظمة، وتحسين الشفافية، وبناء الثقة مع المصارف الخارجية.

التحديث من الداخل

بيّن نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماة، الدكتور عبد الرحمن محمد، أنه يجب على المصارف السورية لاستعادة الثقة على الساحة الدولية، القيام بإجراءات عديدة تتمثل بتحديث أنظمتها التقنية والامتثال للمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وغيره، كما يتعين عليها تحسين الشفافية المالية وتقديم تقارير دقيقة.

الباحث الاقتصادي محمد السلوم، يتفق في الرأي مع حديث الدكتور محمد، قائلًا إن عودة "سويفت" تُعد بوابة الانفتاح، وتأهيل البنوك السورية هو المعبر الإلزامي للعبور.

ويشكل التحديث التقني ركيزة هذا المسار، فبات من الضروري اعتماد معايير "ISO 20022" الخاصة برسائل التحويل، وتطوير البنى الرقمية للمصارف لتتلاءم مع أنظمة الامتثال، خاصة تلك المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفق متطلبات مجموعة العمل المالي (FATF).

كما يتطلب الأمر شفافية أكبر في الحوكمة المؤسسية، ونشرًا دوريًا للبيانات المالية بموجب المعايير المحاسبية الدولية، إلى جانب إعادة بناء الكوادر البشرية وتدريبها على التعامل مع التحويلات عبر شبكات عالمية.

ويرى السلوم أن التجربة اللبنانية في مرحلة ما بعد الأزمة المالية تقدم مثالًا واضحًا على أن الإصلاح الشكلي لا يكفي، إذ إن تحديث الأنظمة دون دعم السيولة وبناء الثقة مع المراسلين الدوليين قد يحول الإصلاح إلى عبء تنظيمي بلا أثر تنموي.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى دعم خارجي، وإقليمي خصوصًا، ليسهم في تسريع التأهيل البنيوي للبنوك السورية ويخلق مظلة مالية مرحلية، ريثما تستكمل البلاد استعدادها الكامل لإعادة الاندماج.

قطر تتدخل

أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في مؤتمر صحفي حضرته عنب بلدي عقب عودته من قطر، في 3 من حزيران الحالي، أنه جرى بحث تعزيز التعاون وتطويره في قطاعات الطاقة، والاقتصاد، والتجارة، والمالية، والسياحة، والاتصالات وتقنية المعلومات، والتعليم العالي، وغيرها.

وبحسب الشيباني، تم الاتفاق على عدة بنود في القطاع الاقتصادي والمالي، بين الجانبين السوري والقطري، تضمنت:

  • بدء البنوك القطرية بتقديم خدمات لمصلحة البنوك السورية بالريال القطري، بهدف ربط سوريا بالنظام المالي العالمي.
  • إعادة تفعيل الشركة القطرية- السورية القابضة لتكون منصة استثمارية حقيقية.
  • زيارة مرتقبة لوفد اقتصادي قطري لدمشق، خلال حزيران الحالي، لبحث مشاريع ذات أولوية.بحث دعم جهود الحكومة في معالجة الديون تجاه المؤسسات المالية الدولية.
  • تعزيز مشاركة المؤسسات المالية القطرية في القطاع المصرفي السوري.
  • تنظيم ملتقى استثماري سوري- قطري قريبًا لتعزيز الشراكة بين البلدين.
  • دورات تدريبية للكوادر في الحكومة السورية بالمؤسسات القطرية.

أوضح الدكتور عبد الرحمن محمد، أن المصارف القطرية يتجلى دورها في تقديم خدمات المراسلة، وستقوم بتسهيل عمليات التحويلات المالية بين المصارف السورية والمصارف الدولية، ما يساعد في ربط سوريا بالنظام المالي العالمي.

عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية في جامعة حماة، الدكتور عبد الرحمن محمد، يرى أن تقديم قطر خدماتها للبنوك السورية بعملة الريال القطري، قد تكون له أهداف متعددة، منها تعزيز العملة القطرية في السوق السورية، وتسهيل التعاملات المالية بين البلدين.

ومن جهة أخرى، تطرق محمد إلى فكرة وجود مخاوف من المصارف الخارجية بشأن المخاطر المرتبطة بالتعامل مع المصارف السورية، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن. لذا يمكن أن تلعب المصارف القطرية دورًا وسيطًا في إعادة الثقة من خلال تقديم ضمانات وتسهيلات، وضرورة أن يكون هناك استثمار حقيقي في تطوير البنية التحتية المالية، قد يساعد في إعادة العلاقات المصرفية مع المصارف الدولية، بحسب محمد.

نماذج تعاونية داعمة

لم تكن قطر الوحيدة على ساحة تقديم الدعم للقطاع المصرفي السوري، فبحسب تصريح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، هناك ثلاثة مصارف أردنية تعمل في سوريا حاليًا، والهدف هو زيادة أعداد المصارف الأردنية في السوق السورية، لزيادة مساهمة القطاع المصرفي الأردني في الاقتصاد السوري.

اعتبر الباحث الاقتصادي محمد السلوم، أن الشراكات الإقليمية، لا سيما مع قطر والأردن، تلعب دورًا تكميليًا وضروريًا في هذه المرحلة الانتقالية للاقتصاد السوري، فالتعاون مع البنوك القطرية يوفر حسابات مراسلة بالريال، ما يخفف الضغط الناتج عن القيود المفروضة على استخدام الدولار في التحويلات. كما يفتح المجال أمام تمويل التجارة الثنائية من خلال الاعتمادات المستندية، الأمر الذي قد يرفع حجم التبادل التجاري المشترك إلى حدود 300 مليون دولار سنويًا، إضافة إلى تسهيل استقبال تحويلات المغتربين المقدرة بـ750 مليون دولار سنويًا.

ويمثل التعاون السوري- الأردني فرصة نوعية من خلال استخدام البنية المصرفية الأردنية الواسعة كقناة وساطة مؤقتة، تتيح تنفيذ التحويلات وتسريع المعاملات في قطاعات حيوية، أبرزها الدواء والزراعة.

وأشار السلوم إلى أن هذه النماذج التعاونية تظل محدودة من ناحية القدرة على تلبية الاحتياجات المالية لسوريا بمفردها، ما يفرض توسيع إطار التعاون ليشمل دولًا أخرى من الخليج وآسيا، واعتماد عملات إضافية مثل اليوان الصيني والدرهم الإماراتي، في ظل تعقيد التعامل مع الدولار بفعل العقوبات التي كانت مفروضة.

مشاركة المقال: