الثلاثاء, 17 يونيو 2025 10:31 PM

"الفزعة" في دير الزور: تقليد أصيل يعكس تكاتف المجتمع في مواجهة الأزمات

"الفزعة" في دير الزور: تقليد أصيل يعكس تكاتف المجتمع في مواجهة الأزمات

لطالما تميزت الثقافة العربية بعاداتها العريقة التي تجسّد قيم التضامن والتكافل، وفي دير الزور تُعدّ "الفزعة" من أبرز هذه العادات الأصيلة.

"الفزعة" ليست مجرد فعل مساعدة، بل تمثل روح التعاون والانتماء العميق بين أفراد المجتمع، حيث يسارع الناس لتقديم يد العون في الأزمات والمواقف الطارئة، دون انتظار مقابل أو تردد. تتنوع صور الفزعة بين تقديم الدعم المادي والمعنوي، والمشاركة في بناء المنازل، أو العناية بالزراعة، وحتى المساعدة في علاج المرضى أو الوقوف إلى جانب المتضررين من المصائب.

وكانت هذه العادة على مر العصور حجر الأساس في المجتمعات الريفية، التي اعتمدت على التكاتف في مختلف جوانب الحياة. وعلى الرغم من التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها العصر الحديث، لا تزال الفزعة تحتفظ بمكانتها في الوجدان، وتظهر بوضوح في لحظات المحن والشدائد.

وعبّر عاصم العلي، أحد أبناء ريف دير الزور في حديث لمنصة، عن اعتزازه بهذه العادة قائلاً: "الفزعة هي استجابة سريعة من الجماعة تجاه حاجة ملحّة أو ظرف طارئ، تتجلى في الدعم المالي، أو الحضور والمشاركة، أو تقديم الخدمات حسب الحاجة". كما استعاد العلي ذكريات أولى مشاركاته، حين كان صغيراً وشهد انهيار منزل أحد الجيران نتيجة عاصفة مطرية: "رأيت الناس يتسابقون للمساعدة، كلٌّ يحمل ما يستطيع. شعرت وقتها بالفخر والانتماء، رغم بساطة ما قدّمته". وتابع: "أتمنى أن تبقى هذه العادة حيّة في قلوب الناس، فهي جزء من هويتنا التي يجب ألا تندثر".

من جانبه، أوضح جاسم العبدالله، أحد سكان دير الزور، أن الفزعة شهدت تغيرات ملحوظة بمرور الزمن. فبينما كانت في الماضي تتم بشكل تلقائي وواسع الانتشار، أصبحت اليوم أكثر تنظيماً، خاصة مع بروز المبادرات الخيرية والجمعيات التي تتولى تنسيق حملات المساعدة للمحتاجين.

وأشار في حديث لمنصة ، إلى أن الفزعة في دير الزور لم تبقَ محصورة في إطارها المحلي، بل تعدّت ذلك إلى سائر المناطق السورية. واستشهد العبد الله بموقف مشرف حدث خلال زلزال شباط/فبراير 2023 الذي ضرب شمال البلاد، حيث أطلق أبناء دير الزور مبادرات فردية وجماعية لجمع وتوصيل المساعدات من بطانيات وملابس وأدوية إلى المتضررين. واختتم قائلاً: "ما حدث في تلك الفزعة دليل على أن روابط الأخوّة والإنسانية ما زالت حاضرة بقوة بين أبناء الوطن، وأن قيم التعاون والتكافل ما تزال تنبض في القلوب، رغم كل التغيرات".

وفي ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم، تبقى "الفزعة" في دير الزور رمزاً حياً للتآزر والانتماء، تُذكر بأن الأصالة ليست مجرد ذكرى في الماضي، بل قوة حية تسهم في بناء الحاضر وصنع المستقبل.

مشاركة المقال: