الثلاثاء, 17 يونيو 2025 08:42 PM

من المتنبي إلى مثقف السلطة: قراءة في هموم الأدباء بين عامي 1956 و 2025

ا. د. جورج جبور

لم يحالفني الحظ في الاستماع إلى محاضرة الأديب د. محي الدين اللاذقاني التي ألقاها أول أمس، 15 حزيران 2025، بدعوة من اتحاد الكتاب العرب.

قرأت عنها خلاصتين. الأولى أصدرها الاتحاد، وأتت خالية من الأسماء.

أما الثانية فكانت أكثر إغراء. هي تلك التي نشرتها جريدة "الثورة"، وبها نيل منخفض النبرة من صدق الشاعر الجواهري، وإعجاب عالي النبرة بجرأة مستحقة للشاعر نزار قباني، عهدناه بها جميعاً.. رحم الله صديقي عبقر العملاقين، وبارك في دمشق التي تحتضن رفاتهما وتراثهما.

لكل منا تواريخه. وقد يستطيع "فرض" تذكرها على متابعيه. أكتب في عام 2025، وأتذكر أنني منذ عام 1948 أعي بوضوح كيف أنشد أدونيس قصيدته أمام الرئيس شكري القوتلي عام 1944. هي السنة نفسها التي رحب فيها أخي قحطان بالرئيس القوتلي حين زار الساحل، وفي عداده مدرسة ابتدائية في صافيتا.

فإن كان لي متابعون، والله أعلم، فلأحاول أن أفرض عليهم تذكر عام 1956. وبارك الله في اللاذقاني واتحاد الكتاب العرب. هما هيئا السبيل.

في 1956 بلغت سن الرشد. سجل يا تاريخ. زار همرشولد سورية وهو آنذاك الأمين العام للأمم المتحدة. لم يشأ للزيارة أن تمضي دون أن يضع عليها خاتمه من بلغ سن الرشد.

وجهت عبر جريدة "الحضارة" الدمشقية رسالة عن فلسطين إلى داغ همرشولد أقرن فيها العتب والتهديد بالمناشدة، على النحو الذي تفعله الدول العربية والإسلامية في تعاملها مع "قضية العرب الأولى".

بصمة أولى.

في حزيران 1956 بصمة ثانية فاجأتني. أعلن أنني أول الناجحين في امتحانات الشهادة الثانوية السورية، فرع الاجتماعيات. بوركت يا سن الرشد.

واكتمل عام 1956 بمحي الدين اللاذقاني واتحاد الكتاب العرب. كان اسماهما آنذاك: محي الدين محمد ومجلة الآداب اللبنانية.

كتب الأديب محي الدين محمد— هكذا في ذاكرتي اسم ذلك الأديب المصري أو السوداني الذي بدا لي أنه كان موضع عناية واحترام الدكتور سهيل إدريس صاحب "الآداب"—.

كتب مقالاً عن الازدواج والزيف، استعرض فيه مواقف شعراء وأدباء من شؤون الحياة العامة، موزّعاً عليهم صفات قد لا ترضيهم.

قرأت المقال وقررت التصدي له مزوداً بولعي بالمتنبي خاصة، وهو العظيم الذي مارس الازدواج والزيف، فأضاء وملأ الفضاء وشغل الناس وما يزال يبهره.

أودعت المقال البريد العادي إلى آداب بيروت، فظهر متألقاً في العدد التالي من مجلة العصر، "الآداب"، مفخماً تحت باب "مناقشات". هاأنذا أناقش. وأتى العدد الذي يليه من الآداب فإذا بالأديب الكبير ابن وادي النيل يناقش بكل احترام "الأديب جبور".

يا لها من خاتمة محترمة لعام بلوغ سن الرشد، عام 1956.

نحن مع الأديب اللاذقاني في عام 2025. كم صفحة ما يزال علي أن أكتب قبل أن أنتقل إلى عامنا هذا من عام 1956؟

1996. لجأت إلى مقال "الآداب" لأطلب إلى اتحاد الكتاب العرب الإحالة إلى التقاعد. قلت: منذ أربعين عاماً وأنا أديب. تعبت. أحيلوني إلى التقاعد. حصل. لكنني لم أطلب الإحالة تعباً طلبتها يأساً من رئاسة الاتحاد،

يأساً؟ لماذا؟ تلك حكاية أخرى. ولها هذه الخلاصة في أسطر. ما أن انتقلت في العمل الوظيفي من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة مجلس الوزراء، في نيسان 1989 حتى "أخذ بحثه من بحثكم وسرقه سرقة تكاد تكون كاملة". هكذا في رسالة مسجلة إليَّ من رئيس الاتحاد. من هو من أخذ فسرق؟ قاضٍ مستشار استئناف. ثم ماذا؟ رفض الاتحاد التوجه إلى وزارة العدل. أشهرت الرسالة. حكم عليَّ بشرفية لمن أخذ فسرق. دفعت. لم أهاجم الاتحاد. لم أنسحب. تقاعدت.

صلح مقال 1956 لكي أفوز بالتقاعد. يصلح لكي يكون تعقيباً على محاضرة صديق عرفت آلامه عام 1997. استمعت إليه معارضاً وتعاملت معه. سُعدت حين قرأت أن الاتحاد رتب له لقاء. أتيح ل د. محي الدين اللاذقاني أن يبوح بآلامه إلى أهله في الاتحاد. سُعدت إذ قرأت خلاصتين عن محاضرته. وسأسعد أكثر إن استجاب الاتحاد إلى "نرجسيتي" فأعاد نشر مقال "الآداب" بصفته إضاءة مبكرة على محاضرة قيمة تقع في صميم عمل الاتحاد.

الكاتب: عضو متقاعد في اتحاد الكتاب العرب.

صباح الثلاثاء 17 حزيران 2025

(موقع أخبار سوريا الوطن-١)

مشاركة المقال: