تحت هذا العنوان كتب إبراهيم الأمين في صحيفة الأخبار: التحدي المطروح أمام جبهة المقاومة للاحتلال في المنطقة، يتركّز الآن في سبب تقديم الدعم لإيران في حربها الوجودية. والسؤال لا يتعلق بما تريده إيران، بل بما يجب علينا تقديمه لها.
بعد انتصار الجيش الأحمر على النازية في الحرب العالمية الثانية، شهد العالم نمواً كبيراً للأحزاب الشيوعية. وخلال سنوات قليلة، كان الاتحاد السوفياتي يطوّر منظومة خاصة بالأحزاب الشيوعية في كل العالم، وهي منظومة تربط كل الأحزاب والقوى الشيوعية بالمركز في موسكو. فيما انطلق الغرب، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، في برنامج يهدف إلى احتواء ما وصِف يومها بـ«المد الشيوعي».
بعد الحرب، اعتبر الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين أنّه لا يمكن تحقيق الشيوعية عالمياً في وقت واحد. مؤكداً أولويةً قصوى لبناء الاتحاد السوفياتي، الذي سيوفر الدعم للشيوعيين في العالم.
ورداً على سؤال عن العلاقة التي ستربط الاتحاد السوفياتي بالشيوعيين في العالم، قال ستالين إنّ هناك معادلة واضحة تقوم على مبدأ أنه في حال تعرّض حزب شيوعي في العالم إلى حرب، ستدرس موسكو كيفية مساعدته، ولكن في حال تعرّض الاتحاد السوفياتي لحرب، فعلى كل شيوعي في العالم أن ينهض لتقديم العون، وبكل الأشكال المتاحة!
هذا الحديث عمره 75 سنة. وقد حصل الكثير في هذه المدة. أبرزه انهيار الاتحاد السوفياتي نفسه، وتراجع نفوذ الأحزاب الشيوعية في كل العالم.
وقامت خلال العقود الأربعة أشكال جديدة من الثورات التغييرية في العالم. وكان الأبرز فيها ما حصل في إيران قبل 45 سنة.
وفي حالة إيران، توجد أوجه شبهٍ كبيرة بما كان قائماً بين الاتحاد السوفياتي وبين أنصاره من الشيوعيين في العالم. مع فارق نوعي، أساسه أنّ ستالين وآخرين من رفاق المؤسس فلاديمير لينين، كانوا يعارضون إستراتيجية «الثورة الدائمة» التي دعا إليها الثائر المطرود من جنة الاتحاد السوفياتي ليون تروتسكي.
تتصرف إسرائيل على أساس أن إيران تقابل بلا حلفاء، وهي تستعد لاستكمال ما عجزت عن تحقيقه في لبنان وفلسطين والعراق
توجد في إيران أقلية داخل النظام الثوري، ولكنها تعاظمت مع الوقت، وهي تعارض سياسة تصدير الثورة. لكنّ مركز القرار في الدولة الإيرانية تمسّك بإستراتيجية دعم كبير لقوى وأحزاب تتبنّى أو تناصر الفكرة العقائدية التي قامت عليها إيران. كما تبنّت إيران قوى ومجموعات تواجه الهيمنة الأميركية – الأوروبية – الإسرائيلية في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي.
سبب المقارنة، أنه بعد عقود من المواجهات المفتوحة مع إسرائيل وأميركا، إنّ ما يجري منذ عامين يأخذ شكلاً مختلفاً. كون الحرب انطلقت بطريقة تركت الباب مفتوحاً أمام السؤال إياه: كيف تتصرف إيران مع حلفائها؟
بعيداً من كل النقاش الكيدي، إن إيران لم تكن بعيدة يوماً من كل ما قامت به وتقوم به حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن. لقد حافظت إيران على دعمها السياسي الكامل لهذه القوى. وهي وفّرت عناصر دعم رئيسية في خضم المعركة القائمة منذ عملية «طوفان الأقصى». وهو دعم متعدّد دفعها لتكون منذ البداية في قلب المعركة.
وهو ما كان واضحاً بالنسبة إلى العدو، الذي بادر إلى توجيه ضربات مباشرة إلى الإيرانيين في أكثر من مكان داخل إيران وخارجها.
وتعرّضت إيران لانتقادات من قسم من جمهور المقاومة في العالم العربي، بسبب طبيعة ردودها على الاعتداءات الإسرائيلية. لكنّ ما يتجاهله الناس هو أن إيران ليست في وارد بناءِ إستراتيجية بناءً على تصورات قوى المقاومة.
وخطأ كبير عندما يعتقد البعض أن قوى المقاومة هي من يقود إيران. علماً أنه تواجَد في قلب النظام أصحابُ رأي مختلف حول كثير من الأمور التي حصلت في لبنان وفلسطين والعراق.
لكنّ الفكرة الرئيسية التي يجب أن نعود إليها، تدفع إلى الحديث عن أن إيران تواجه اليوم استحقاقَ «سؤال ستالين»، وعليه يمكن قول الآتي:
إن إيران، بما تمثّله كمركز لجبهة المقاومة تتعرّض لحرب اجتثاث. ومن يعتقد أنّ هدف الحرب هو القدرات النووية أو الصاروخية، فهو واهم وغبيّ. لأنّ هدف الحرب القائمة الآن هو إسقاط النظام الحاكم في إيران، بمعزل عمّا إذا كان الهدف قابلاً للتحقق أم لا.
وإسرائيل شديدة الوضوح في موقفها، وهي تتصرف منذ اليوم الأول على أساس «وحدة الساحات»، ولم تفصل لحظة بين إيران كمركز، وبين أطراف جبهة المقاومة في المنطقة. وإسرائيل لا ترى المشكلة في امتلاك السلاح فقط، بل إنّ مشكلتها تتركّز حول من يتولى إدارة هذا السلاح.
وإسرائيل التي تفضّل عدم وجود أي قوة كبيرة لدى العرب والمسلمين، تهتم أكثر بإسقاط الحكومات المعادية لها، ولكنّ هدف إسرائيل لا يخصّها لوحدها، بل يخصّ بالأساس الولايات المتحدة وأوروبا ودولاً كثيرة ترى في النظام الحاكم في إيران مصدرَ خطر على مصالحها وعلى وجود بعضها أيضاً.
انطلاقاً مما سبق، فإن فهماً واضحاً لطبيعة المعركة القائمة الآن يقود إلى خلاصات سياسية تنتج بدورها قرارات وخطوات عملانية. وهذا يستند أولاً وأخيراً إلى حجم فهم حلفاء إيران والموالين لفكرها العقائدي، لحقيقة أن الخطر الذي تواجهه إيران اليوم له انعكاسه المباشر على القوى نفسها في حال تمكّن الأعداء من إصابة المركز بمقتل. وبالتالي، فإن السؤال المطروح على جميع حلفاء إيران، من دول أو قوى أو مجموعات أو حتى أفراد، يتعلق بكيفية تعاملهم مع المواجهة القائمة.
صحيحٌ أنّ لإيران دوراً مركزياً في قرارات قسم غير قليل من قوى المقاومة في المنطقة، ولكنّ الأمر لا يتعلق بإذن أو طلب مسبق، بل يتعلق بالفهم العميق لمعنى الترابط بين هذه القوى وبين المركز في إيران. والسؤال هنا يصبح تحدياً حقيقياً، كون ما هو مطلوب من كل مؤمن بهذا الخط وبهذه الفكرة وبهذه القيادة، ليس بالأمر السهل، ومن يعتبر نفسه معنياً عليه أن يتصرف وفقاً لقاعدة أن مستقبلنا رهن صمود إيران وانتصارها.
يحصل ذلك كله، ونواجه في بلاد الشام استحقاقاً مفتوحاً يتعلق بالحرب المستمرة ضدنا منذ الآن. كون الانهيار النفسي أصاب البعض في جبهتنا، وتراهم اليوم، ويتأمل هؤلاء في وقف الحرب، ويظهرون استعداداً لتسويات ناقصة من أجل ذلك. لذلك، من المنطقي القول إنه يصعب مواصلة النقاش مع من لا يزال يعتقد أن الحرب ضدنا ليست قائمة بصورة فعلية.
تعالوا نعاين ما يجري في غزة، حيث يواصل العدو حرباً «حتى إنجاز المهمة». ويستمر في عمليات القتل، لأنه لم يحصل على استسلام المقاومة. وهو يعرف أن لديه مشكلة حقيقية في غزة، وليس في مقدور أي مسؤول في إسرائيل الحديث عن النصر المطلق. وهو ما عمّق النقاش داخل الكيان حول جدوى استمرار الحرب هناك.
في لبنان، الصورة كانت مختلفة. لأن حساب إسرائيل معنا مفتوح منذ أربعين سنة. وحرب الإسناد التي أطلقتها المقاومة نصرةً لفلسطين، كان لها إطارها الضيّق، الذي سرعان ما أفقدها قوّتها وزخمها، قبل أن ينطلق العدو في معركة أرادها حاسمة. لكن إسرائيل لم تكن تتوقع صمود المقاومة.
وعندما اضطرت – نعم اضطرت – إلى القبول باتفاق وقف إطلاق النار، فهي كانت تقول إنها غير قادرة على إنجاز المهمة في لبنان، وهي راهنت بقوة على أن أميركا وحلفاءها من الأوروبيين والعرب واللبنانيين سوف يكملون المهمة، عبر نزع كامل للسلاح، وتصفية الوجود السياسي للمقاومة.
لكن، والوقت، وخصوصاً بعد سقوط النظام في سوريا، تتصرف إسرائيل بأنها نادمة على وقف الحرب مع لبنان. فاختارت لنفسها شكلاً جديداً يقود إلى نتيجة واحدة، وهو مواصلة الحرب بشكل مختلف، وذلك لسبب بسيط وواضح: المهمة لم تنجَز.
من المؤكد أن إسرائيل عندما قررت الدخول في حرب مع إيران، فهي أخذت في الحسبان أن مركز المقاومة لن يكون في مقدوره الاتكال على حلفائه، فهم في حالة صعبة جداً في فلسطين، ويواجهون تحديات كبيرة في لبنان، والنظام الحليف لهم سقط في سوريا، وحقق الأميركيون نجاحاً كبيراً في تحييد المقاومة العراقية… ذلك كله جعل العدو يعتبر أنه أكثر راحة في محاربة إيران.
لكنّ العدو نفسه يخطّط لمرحلة أخرى في حال نجاحه في مواجهة طهران، وفي لبنان على وجه التحديد، فالمنطق يقول إن العدو الذي يعتقد أنّ ضرب إيران كفيل بانهيار حلفائها في المنطقة، سوف يتيح له اختيار التوقيت المناسب لاستئناف الحرب القاضية ضد المقاومة في لبنان.
هذا الكلام ليس فيه ادّعاء النصح أو الإحراج لأحد. ولا هو حثّ للناس على القيام بأعمال تعبّر عن حماسة مفرطة، أو عن مراهقة ثورية.
لكنّ هدفه الحث على الانتقال إلى مرحلة الاستعداد لاحتمال حرب قاسية جداً. حيث يأمل الفرد منا أن يكون الجميع مستعداً لعمل ليس هدفه إسناد إيران فقط، وهو واجب أخلاقي وسياسي ومصلحي أيضاً، بل دفاعاً عن وجودنا الحر في هذه البلاد!